• ١٩ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٧ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

السعادة عندما تكون في الاتجاه المضاد

السعادة عندما تكون في الاتجاه المضاد

◄ما هي السعادة؟، هناك من ينظر لها على أنّها من نتائج وفرة المال، وآخر في الشهرة، والثالث في القوة والجاه، والرابع في السلطة، لكنّها لا هذه ولا تلك، فمنظور ومفهومها يختلف من فرد لآخر؛ إلّا أنّها شعور عام يشعر ويشترك الناس به؛ أي أنّها متاحة في يد الجميع، فالناس تختلف في طباعها واتجاهاتها؛ حيث قد يرى البعض السعادة بالمال والبعض الآخر قد يرى السعادة بالإنجاز والنجاح، كما من الممكن أن الفرد ذاته قد تختلف نظرته للحياة وللمؤثرات التي حوله باختلاف أطواره الزمنية وظروفه وأحواله.

إن السعادة شعور لا يمكن رؤيته أو لمسه ولكن يمكن إدراكه، وهي من المفاهيم التي ترتبط بالرضا والراحة؛ حيث تجد النفس البشرية الهدوء وراحة البال التي يلجأ إليها الناس من مثيرات العالم الخارجي الصاخبة والمليئة بالحروب والصراعات، فالسعادة هي مفهوم من غير الممكن رؤيته ولمسه، بل يظهر على الفرد الذي يعيش داخل محيطها، ومن الممكن تعريف وشرح مفهوم السعادة لغةً على أنّها بموقع الاسم الذي يُعبّر عن الفرح والابتهاج وكلّ ما يُدخل ويزرع الفرح والسرور على النفس البشرية.

وقد يكون الحبور والرضا من أهم الأسباب التي تدفع الإنسان للبحث عن السعادة منذ اللحظة الأولى التي يعي فيها وجوده، لذلك فنحن جميعاً نتطلع إلى السعادة ونبحث عنها مع أنّها (ليست هدفاً في ذاتها، إنّها نتاج عملك لما تحب، وتواصلك مع الآخرين بصدق) وقبل البحث عن السعادة، من الأفضل لك أن تسأل نفسك، هل أنت متواصل مع الناس، وهل أنت صادق في توجهاتك معهم، فإذا جاءت الإجابة بالإيجاب، سوف تلمس بنفسك المفعول الجيد لهذا التواصل الصادق مع المحيط الذي تنشط فيه فكريا وعمليا.

واستنادا إلى التركيبة التكوينية للبشر، فإنّ من أهم مصادر السعادة، حرية الإنسان، وعدم خضوعه للآخر، وأن بإمكانه أن يقول ما يؤمن به، وأن يخطو الخطوات التي يراها مريحة له انطلاقاً من قدرته على أخذ القرار الشخصي وتنفيذه، يقول ديفيد فيسكوت في كتابه (فجّر طاقتك الإيجابية): (إن السعادة تكمن في أن تكون ذاتك، أن تصنع قراراتك بنفسك، أن تعمل ما تريد لأنّك تريده، أن تعيش حياتك مستمتعاً بكل لحظة فيها. إنّها تكمن في تحقيقك استقلاليتك عن الآخرين وسماحك للآخرين أن يستمتعوا بحرياتهم، أن تبحث عن الأفضل في نفسك وفي العالم من حولك) .

إذاً هنالك حرية متبادَلة بينك وبين الآخرين، فأنت لست وحدك صاحب الحرية التي ينبغي أن تُصان، وأن لا يقترب من حدودها أحد غيرك، الجميع لهم حرياتهم وعليك أن تصونها أيضاً، من هذا المنطلق يمكنك أن تحصل على سعادتك وتصونها أيضاً، طالما أن الحرية الشخصية والحفاظ عليها أحد أهم مستلزمات الوصول إلى السعادة.

من جهة أخرى يمكنك أن تجرب البديل أو الاتجاه المضاد، بمعنى يمكنك أن تمشي عكس اتجاه الآخرين، لأنّك قد لا تؤمن بهم ولا تهمك حرياتهم، ولا تعنيك أهدافهم، ولا ترغب بالتفاعل معهم، هنا عليك أن تتحمل وزر اختيارك، فمثلما قررت أن تختار النقيض، أي نقيض التفاعل مع الناس، وعدم اهتمامك بحرياتهم ومصالحهم، هذا شأن يعنيك، ولكن النتائج التي ستواجهك ستعنيك حتماً لأنّها ستؤثر في مجرى حياتك وتعزلك عن المحيط، والنتائج ستأتي نتيجة طبيعية لإهمالك الآخرين وتريد أن يهتموا بك، وينشغلوا بهمومك ويحافظوا على حريتك، ولكنّك غير معني بهم ولا بكل الأشياء التي تهمهم. لذا سوف تكون سعادتك في مهبّ الريح!.

يقول الكاتب نفسه: (إنّه لمن السهل أن تسير في الاتجاه المضاد، أن تتشبث بفكرة أن الآخرين ينبغي أن يبدوا غاية اهتمامهم بك، أن تلقي باللائمة على الآخرين وتتحكم فيهم عندما تسوء الأمور، ألّا تكون مخلصاً، وتنهمك - عبثاً - في العلاقات والأعمال بدلاً من الالتزام، أن تثير حنق الآخرين بدلاً من الاستجابة، أن تحيى على هامش حياة الآخرين، لا في قلب أحداث حياتك الخاصة).

ومن أفدح الأخطاء التي يرتكبها بشر حين يقرر العيش على هامش الآخرين بعيداً عن مركز نشاطهم الفكري والعملي، فمن يختار الهامش في علاقاته سوف يقيم في الهامش وسوف يعاني الفتور والخمول وضآلة الأحلام والأهداف معاً، وقد تكون هنالك أسباب للعزلة منها قد يبتعد الإنسان عن غيره لأنّه لا يريد لأحد أن يتدخل في حياته، وقد يشعر أن حياته الشخصية هي ملكه الذي لا يجوز لغيره أن يشاركه فيه، لكن حتى هذا الاعتزاز باستقلالية الذات لا تبيح للإنسان ولا تسمح له بالعيش في الهامش، فكل ما يحدث في حياته من نجاحات أو إخفاقات هو المسؤول عنها لأنّه صاحب القرار الأول في اتخاذها، وهو محرّك التغيير ومخطط الأهداف وصانعها في نفس الوقت، وحتى لو تلقّى الإنسان الدعم من أي كان قريباً كان أو غريباً، فهذا لا يعني أن الدعم هو سبب النجاح الأول، ولا ينبغي أن نعزو أسباب الفشل -لا سمح الله- إلى الآخرين أيضاً، فالمسؤول الأول عن النجاح والفشل وامتلاك السعادة أو فقدانها أنت لا غيرك.

مثل هذه الاستنتاجات نعثر عليها في ما يقوله ديفيد فيسكوت في كتابه فجّر طاقتك الكامنة:

(إن حياتك قد وهبت لك كي تخلق لها معناها. وإن لم تسر حياتك على النحو الذي ترغبه، فلا تلمْ إلّا نفسك. فلا أحد مدين لك بأي شيء. إنك الشخص الوحيد الذي يستطيع إحداث اختلاف في حياتك له من القوة ما يبقيه راسخاً، لأنّ الدعم الضئيل الذي قد تتلقاه من هنا أو هناك لا يعني شيئاً ما لم تكن ملتزماً بأن تقطع كامل الطريق بمفردك مهما واجهت من مصاعب).

فالنجاح الذي سيتم تسجيله باسمك، ينبغي أن تعطيه ما يستحق من الجهود بشتى أشكالها، هناك جهود فكرية تعليمية تجريبية عملية، وهنالك متاعب، وربما توجد بعض المخاطر الصغير أيضاً، كلّ هذا من الممكن أن تقدمه بنفسك من أجل النجاح، لذلك لا يصح أن تلقي بذلك على عاتق الآخرين، ولا يستحسن أن تلقي باللائمة في فقدان النجاح والسعادة على من يدفع بك للقنوط والاستسلام، فأنت تمتلك مقاليد الحلول ولا يستطيع مخلوق أن يكون سبباً في فشلك إلّا إذا أنت ساعدت نفسك على الفشل لهذا:

فإنّ أياً من العهود التي يقطعها لك الآخرون على أنفسهم ليس لها من القوة ما يمكنها من إحداث ذلك الاختلاف الدائم. إن الخيانة والاستسلام - على الرغم من شدة آثارهما - ليس لديهما القدرة على تقييد مسيرة تطورك أو إعاقة نجاحك ما لم تكن أنت الذي يختلق الأعذار كي تفشل هذا الفشل الذريع.

وأخيراً إن تحقيق السعادة يتطلب منك أن تخوض - دائماً - بعض المخاطر التي تكون صغيرة، ولكنّها هامة في ذات الوقت.►

ارسال التعليق

Top